سورة النحل - تفسير تفسير القرطبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النحل)


        


{لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ (25)}
قوله تعالى: {لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ} قيل: هي لام كي، وهى متعلقة بما قبلها.
وقيل: لام العاقبة، كقوله: {لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً}. أي قولهم في القرآن والنبي أداهم إلى أن حملوا أوزارهم، أي ذنوبهم. {كامِلَةً} لم يتركوا منها شيء لنكبة أصابتهم في الدنيا بكفرهم.
وقيل: هي لام الامر، والمعنى التهدد. بكفرهم. {وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ} قال مجاهد: يحملون وزر من أضلوه ولا ينقص من إثم المضل شي. وفى الخبر«أيما داع دعا إلى ضلالة فاتبع فإن عليه مثل أوزار من اتبعه من غير أن ينقص من أوزارهم شيء وأيما داع دعا إلى هدى فاتبع فله مثل أجورهم من غير أن ينقص من أجورهم شي» خرجه مسلم بمعناه. و{من} للجنس لا للتبعيض، فدعاه الضلالة عليهم مثل أوزار من اتبعهم. وقوله: بِغَيْرِ عِلْمٍ أي يضلون الخلق جهلا منهم بما يلزمهم من الآثام، إذ لو علموا لما أضلوا. {أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ} أي بئس الوزر الذي يحملونه. ونظير هذه الآية {وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالًا مَعَ أَثْقالِهِمْ} وقد تقدم في آخر الأنعام بيان قوله: {وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى}.


{قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ (26)}
قوله تعالى: {قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} أي سبقهم بالكفر أقوام مع الرسل المتقدمين فكانت العاقبة الجميلة للرسل. {فَأَتَى اللَّهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ} قال ابن عباس وزيد بن أسلم وغيرهما: إنه النمروذ بن كنعان وقومه، أرادوا صعود السماء وقتال أهله، فبنوا الصرح ليصعدوا منه بعد أن صنع بالنسور ما صنع، فخر. كما تقدم بيانه في آخر سورة إبراهيم. ومعنى {فَأَتَى اللَّهُ بُنْيانَهُمْ} أي أتى أمره البنيان، إما زلزلة أو ريحا فخربته. قال ابن عباس ووهب: كان طول الصرح في السماء خمسة آلاف ذراع، وعرضه ثلاثة آلاف.
وقال كعب ومقاتل: كان طول فرسخين، فهبت ريح فألقت رأسه في البحر وخر عليهم الباقي. ولما سقط الصرح تبلبلت ألسن الناس من الفزع يومئذ، فتكلموا بثلاثة وسبعين لسانا، فلذلك سمى بابل، وما كان لسان قبل ذلك إلا السريانية. وقد تقدم هذا المعنى في البقرة وقرأ ابن هرمز وابن محيصن {السقف} بضم السين والقاف جميعا. وضم مجاهد السين وأسكن القاف تخفيفا، كما تقدم في {وَبِالنَّجْمِ} في الوجهين. والأشبه أن يكون جمع سقف. والقواعد: أصول البناء، وإذا اختلت القواعد سقط البناء. وقوله: {مِنْ فَوْقِهِمْ} قال ابن الاعرابي: وكد ليعلمك أنهم كانوا حالين تحته. والعرب تقول: خر علينا سقف ووقع علينا حائط إذا كان يملكه وإن لم يكن وقع عليه. فجاء بقوله: {مِنْ فَوْقِهِمْ} ليخرج هذا الشك الذي في كلام العرب فقال: {مِنْ فَوْقِهِمْ} أي عليهم وقع وكانوا تحته فهلكوا وما أفلتوا.
وقيل: إن المراد بالسقف السماء، أي إن العذاب أتاهم من السماء التي هي فوقهم، قال ابن عباس.
وقيل: إن قوله: {فَأَتَى اللَّهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ}تمثيل، والمعنى: أهلكهم فكانوا بمنزلة من سقط عليه بنيانه.
وقيل: المعنى أحبط الله أعمالهم فكانوا بمنزلة من سقط بنيانه.
وقيل: المعنى أبطل مكرهم وتدبيرهم فهلكوا كما هلك من نزل عليه السقف من فوقه. وعلى هذا اختلف في الذين خر عليهم السقف، فقال ابن عباس وابن زيد ما تقدم.
وقيل: إنه بخت نصر وأصحابه، قال بعض المفسرين.
وقيل: المراد المقتسمون الذين ذكرهم الله في سورة الحجر، قال الكلبي. وعلى هذا التأويل يخرج وجه التمثيل، والله أعلم. {وَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ} أي من حيث ظنوا أنهم في أمان.
وقال ابن عباس: يعني البعوضة التي أهلك الله بها نمرودا.


{ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ قالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكافِرِينَ (27)}
قوله تعالى: {ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يُخْزِيهِمْ} أي يفضحهم بالعذاب ويذلهم به ويهينهم. {وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ} أي بزعمكم وفي دعواكم، أي الآلهة التي عبدتم دوني، وهو سؤال توبيخ. {الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ} أي تعادون أنبيائي بسببهم، فليدفعوا عنكم هذا العذاب. وقرأ ابن كثير {شركاى} بياء مفتوحة من غير همز، والباقون بالهمز. نافع {تشاقون} بكسر النون على الإضافة، أي تعادوننى فيهم. وفتحها الباقون. {قالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} قال ابن عباس: أي الملائكة. وقيل المؤمنون. {إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ} أي الهوان والذل يوم القيامة. {وَالسُّوءَ} أي العذاب. {عَلَى الْكافِرِينَ}.

4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11